تفسير البحر المحيط أبي حيان الغرناطي/سورة الكهف
فقال بفهم وبغير فهم. فقال بكلامي يا أحمد فقلت يا رب بفهم أم بغير فهم؟ قلنا ونعني بموافقة أحد المصاحف ما كان ثابتا في بعضها دون بعض كقراءة ابن عامر (قالوا اتخذ الله ولدا) في البقرة بغير واو (وبالزبر وبالكتاب المنير) بزيادة الباء في الاسمين ونحو ذلك فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي وكقراءة ابن كثير (جنات تجري من تحتها الأنهار) في الموضع الأخير من سورة براءة بزيادة من فإن ذلك ثابت في المصحف المكي وكذلك (فإن الله هو الغني الحميد) في سورة الحديد بحذف هو وكذا (سارعوا) بحذف الواو وكذا (منها منقلبا) بالتثنية في الكهف إلى غير ذلك من مواضع كثيرة في القرآن اختلفت المصاحف فيها فوردت القراءة عن أئمة تلك الأمصار على موافقة مصحفهم فلو لم يكن ذلك كذلك في شيء من المصاحف العثمانية لكانت القراءة بذلك شاذة لمخالفتها الرسم المجمع عليه (وقولنا) بعد ذلك ولو احتمالا نعني به ما يوافق الرسم ولو تقديرا إذ موافقة الرسم قد تكون تحقيقا وهو الموافقة الصريحة قد تكون تقديرا وهو الموافقة احتمالا فإنه قد خولف صريح الرسم في مواضع إجماعا نحو (السموات والصلحات واليل والصلوة والزكوة والربوا) ونحو (لنظر كيف تعملون) وجيء في الموضعين حيث كتب بنون واحدة وبألف بعد الجيم في بعض المصاحف، وقد توافق بعض القراءات الرسم تحقيقا ويوافقه بعضها تقديرا نحو (ملك يوم الدين) فإنه كتب بغير ألف في جميع المصاحف فقراءة الحذف تحتمله تخفيفا كما كتب (ملك الناس) وقراءة الألف محتملة تقديرا كما كتب (مالك الملك) فتكون الألف حذفت اختصارا وكذلك (النشأة) حيث كتبت بالألف وافقت قراءة المد تحقيقا ووافقت قراءة القصر تقديرا إذ يحتمل أن تكون الألف صورة الهمزة على غير القياس كما كتب (موئلا) وقد توافق اختلافات القراءات الرسم تحقيقا نحو (أنصار الله، ونادته الملائكة، ويغفر لكم، ويعملون، وهيت لك) ونحو ذلك مما يدل تجرده عن النقط والشكل وحذفه وإثباته على فضل عظيم للصحابة رضي الله عنهم في علم الهجاء خاصة وفهم ثاقب في تحقيق كل علم، فسبحان من أعطاهم وفضلهم على سائر هذه الأمة (ولله در الإمام الشافعي رضي الله عنه) حيث يقول في وصفهم في رسالته التي رواها عنه الزعفراني ما هذا نصه: وقد أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله ﷺ في القرآن والتوراة والإنجيل وسبق لهم على لسان رسول الله ﷺ من الفضل ما ليس لأحد بعدهم فرحمهم الله وهنأهم بما أثابهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، أدوا إلينا سنن رسول الله ﷺ وشاهدوه والوحي ينزل عليه فعلموا ما أراد رسول الله ﷺ عاما وخاصا وعزما وإرشادا وعرفوا من سننه ما عرفنا وجهلنا وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا.
لأبي عمرو وحكاية إنكار سيبويه له فقال أعني الداني والإسكان أصح في النقل وأكثر في الأداء وهو الذي اختاره وآخذ به، ثم لما ذكر نصوص رواته قال: وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية إذا ثبت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها. وعن عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك أو يقرئ القرآن فقال يقرئ القرآن لأن النبي ﷺ قال "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال "من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا" وذلك قوله تعالى (ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا) قال إلا الذين قرأوا القرآن، وعن عبد الملك بن عمير "أبقى الناس عقولا قراء القرآن" وأنبأنا أحمد بن محمد بن الحسين البنَّا عن علي بن أحمد أن أبا محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الحافظ أخبره قال أنا عبد الرزاق بن إسماعيل القوسياني سماعا أنا أبو شجاع الديلمي الحافظ أنا أبو بكر أحمد بن معمر الأثوابي الوراق أنا أبو الحسن طاهر بن حمد بن سعدويه الدهقان بهمذان حدثنا محمد بن الحسين النيسابوري بها حدثنا أبو بكر الرازي (ح) وأخبرني محمد بن أحد الصالحي شفاها عن أبي الحسن بن أحمد الفقيه قال كتب إلى الحافظ عبد الرحمن بن علي السلامي أنا ابن ناصر أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد أنا أبو محمد الخلال أنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري أنا أحمد بن محمد بن مقسم قال سمعت أبا بكر الرازي قال سمعت عبد العزيز بن محمد النهاوندي يقول سمعت عبد الله بن أحد بن حنبل يقول سمعت أبي رحمة الله عليه يقول: رأيت رب العزة في النوم فقلت يا رب ما أفضل ما يتقرب المتقربون به إليك؟
فإن الإنسان لا يشرف إلا بما يعرف، ولا يفضل إلا بما يعقل، ولا ينجب إلا بمن يصحب، ولما كان القرآن العظيم أعظم كتاب أنزل، كان المنزل عليه ﷺ أفضل نبي أرسل، وكانت أمته من العرب والعجم أفضل أمة أخرجت للناس من الأمم، وكانت حملته أشرف هذه الأمة، وقراؤه ومقرؤوه أفضل هذه الملة. فأما سبب وروده على سبعة أحرف فللتخفيف على هذه الأمة وإرادة اليسر بها والتهوين عليها شرفا لها وتوسعة ورحمة وخصوصية لفضلها وإجابة لقصد نبيها أفضل الخلق وحبيب الحق حيث أتاه جبريل فقال له ( إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال أسأل الله معافاته ومعونته وإن أمتي لا تطيق ذلك ) ولم يزل يردد المسألة حتى بلغ سبعة أحرف، وفي الصحيح أيضا ( إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي ولم يزل يردد حتى بلغ سبعى أحرف ) وكما ثبت صحيحا: ( إن القرآن نزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف، وإن الكتاب قبله كان ينزل من باب واحد على حرف واحد، وذلك أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يبعثون إلى قومهم الخاصين بهم، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى جميع الخلق أحمرها وأسودها عربيها وعجميها، وكانت العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لغاتهم مختلفة وألسنتهم شتى ويعسر على أحدهم الإنتقال من لغته إلى غيرها أو من حرف إلى آخر بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك ولا بالتعليم والعلاج لاسيما الشيخ والمرأة ومن لم يقرأ كتابا كما أشار إليه صلى الله عليه وآله وسلم.
قال وعلى مذهب الكوفيين والبزي وابن ذكوان لا تكون إلا للتنبيه فمن جعلها للتنبيه وميز بين المنفصل والمتصل في حروف المد لم يزد في تمكين الألف سواء حقق الهمزة أو سهلها. وقد خص الله تعالى هذه الأمة في كتابهم هذا المنزل على نبيهم ﷺ بما لم يكن لأمة من الأمم في كتبها المنزلة فإنه تعالى تكفل بحفظه دون سائر الكتب ولم يكل حفظه إلينا قال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وذلك إعظام لأعظم معجزات النبي ﷺ لأن الله تعالى تحدى بسورة منه أفصح العرب لسانا وأعظمهم عنادا وعتوا وإنكارا فلم يقدروا على أن يأتوا بآية مثله ثم لم يزل يتلى آناء الليل والنهار من نيف وثمانمائة سنة مع كثرة الملحدين وأعداء الدين ولم يستطع أحد منهم معارضة شيء منه، وأي دلالة أعظم على صدق نبوته ﷺ من هذا؟ ولما توفي النبي ﷺ وقام بالأمر بعده أحق الناس به أبو بحيوان بحرف كر الصديق رضي الله عنه وقاتل الصحابة رضوان الله عليهم أهل الردة وأصحاب مسيلمة وقتل من الصحابة نحو الخمسمائة أشير على أبي بكر بجمع القرآن في مصحف واحد خشية أن يذهب بذهاب الصحابة فتوقف في ذلك من حيث إن النبي ﷺ لم يأمر في ذلك بشيء ثم اجتمع رأيه ورأى الصحابة رضي الله تعالى عنهم على ذلك فأمر زيد بن ثابت بتتبع القرآن وجمعه فجمعه في صحف كانت عند أبي بكر رضي الله عنه حتى توفي ثم عند عمر رضي الله عنه حتى توفي ثم عند حفصة رضي الله رضي الله عنها.
If you liked this post and you would certainly such as to receive more info regarding جواهر الطبيعة kindly visit the web-page.