« يا أبا بكر سبيل العرض أن يقع بحيث الهيبة والخوف لا بحيث الحكم والاستطالة. « الهيبة حيث يكون الأمير لا أنت ولا كانت له منّة لأن يردّ عليه شيئا. ولا تقصّر في طلب الآخرة والأجر والأعمال الصّالحة والسّنن المعروفة ومعالم الرّشد والإعانة والاستكثار من البرّ والسّعي له إذا كان يطلب به وجه الله تعالى ومرضاته ومرافقة أولياء الله في دار كرامته أما تعلم أنّ القصد في شأن الدّنيا يورث العزّ ويمحّص من الذّنوب وأنّك لن تحوط نفسك من قائل ولا تنصلح أمورك بأفضل منه فأته واهتد به تتمّ أمورك وتزد مقدرتك وتصلح عامّتك وخاصّتك وأحسن ظنّك باللَّه عزّ وجلّ تستقم لك رعيّتك والتمس الوسيلة إليه في الأمور كلّها تستدم به النّعمة عليك ولا تتهمنّ أحدا من النّاس فيما تولّيه من عملك قبل أن تكشف أمره فإنّ إيقاع التّهم بالبراء والظّنون السّيئة بهم آثم إثم. فقال لي الوزير فارس إيّاك أن تستنكر مثل هذا من أحوال الدّول بما أنّك لم تره فتكون كابن الوزير النّاشئ في السّجن وذلك أنّ وزيرا اعتقله سلطانه ومكث في السّجن سنين ربي فيها ابنه في ذلك المجلس فلمّا أدرك وعقل سأل عن اللّحمان الّتي كان يتغذّى بها فقال له أبوه هذا لحم الغنم فقال وما الغنم فيصفها له أبوه بشياتها ونعوتها فيقول يا أبت تراها مثل الفأر فينكر عليه ويقول أين الغنم من الفأر وكذا في لحم الإبل والبقر إذ لم يعاين في محبسه من الحيوانات إلّا الفار فيحسبها كلّها أبناء جنس الفأر ولهذا كثيرا ما يعتري النّاس في الأخبار كما يعتريهم الوسواس في الزّيادة عند قصد الإغراب كما قدّمناه أوّل الكتاب فليرجع الإنسان إلى أصوله وليكن مهيمنا على نفسه ومميّزا بين طبيعة الممكن والممتنع بصريح عقله ومستقيم فطرته فما دخل في نطاق الإمكان قبله وما خرج عنه رفضه وليس مرادنا الإمكان العقليّ المطلق فإنّ نطاقه أوسع شيء فلا يفرض حدّا بين الواقعات وإنّما مرادنا الإمكان بحسب المادّة الّتي للشّيء فإنّا إذا نظرنا أصل الشّيء وجنسه وصنفه ومقدار عظمه وقوّته أجرينا الحكم من نسبة ذلك على أحواله وحكمنا بالامتناع على ما خرج من نطاقه «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً 20: 114 وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» والله سبحانه وتعالى أعلم.
فلمّا كان في هذا الوقت أكرمهما عبد الرحمن الوزير وكانا يصلان معه إلى الراضي بالله مع أبي جعفر محمّد بن القاسم الكرخي وأبي عليّ الحسن بن هارون وعليّ بن عيسى لا يتأخّر أيضا عن الحضور معهم وسلّم أبو عليّ ابن مقلة إلى الوزير عبد الرحمن فضربه بالمقارع وأخذ خطّه بألف ألف دينار ثم سلّمه إلى أبي العبّاس الخصيبي فجرت عليه من المكاره والضرب والرهق أمر عظيم وحضر أبو بكر ابن قرابة بعد مدّة فتوسّط أمره وضمن ما عليه وتسلّمه وكان أدّى إلى الخصيبي نيّفا وخمسين ألف دينار. قرية قرب بردنيس في شرقي النيل من أعمال الصعيد الأدنى من كورة الأسيوطية وأكثرما يقال بغير همزة، وإليها ينسب البويطي الفقيه نذكره في باب الباء إن شاء الله تعالى، وأبويط أيضا قرية قرب بوصير قوريدس، وقيل إليها ينسب البويطي والله أعلم. فقال: اشكال ابواب ألمنيوم للحمامات ضعوه حتى أفرغ من الدست. ولقب سيبويه لجماله وحمرة وجنتيه حتى كانتا كالتفاحتين. فإمّا دخلت بغداد وجميع من بها يسلّم لك الرئاسة وأوّلهم محمّد بن رائق بالضرورة لسنّك وأنّك نظير أبيه، وإمّا خرجت إلى الأهواز حتى تطرد البريدي عنها وتقيم أنت بها فإنّا وإن كانت عدّتنا يسيرة دون عدّته فهو كاتب ونحن في خمسمائة رجل وهو في عشرة آلاف رجل وقد أحصيت من عندنا فوجدتهم نحو خمسة آلاف رجل وفيهم كفاية والعسكر بصاحبه وأنت أنت.
» وقد كان استأمن من أصحاب عليّ بن بويه إلى ياقوت طاهر الجيلي وكان ممّن يرشّح نفسه للأمور الكبار ويرى أنّه نظير لشيرج وطبقته واجتمع إليه نحو ثمانمائة رجل من العجم. « قد اجتمع لي بمقام من أقام بالأهواز خفّة المطالبة عني وحصولهم مع كاتبي وليس يصلح ابن البريدي لما أصلح له فأخافه وإن احتجت أو احتيج إلى حرب فالجماعة بالضرورة يعودون إليّ وهم عدّة لي عنده. » وسأل أبو عبد الله البريدي أن ينفذ إليه أبا الفتح ابن أبي طاهر وأبا أحمد السجستاني ليشاورهما في التقرير ويتعرّف منهما منازل الرجال واستدعى أبا بكر النقيب الذي كان مع أبي طاهر محمّد بن عبد الصمد ليعرف منه أحوالهم. عمل مخطط مبدأي لمختلف المكونات الرئيسية لتصميم المطبخ الألومنيوم الذي تحتاجه بلون محدد. حملت بعض الصحف الباريزية حملة صالحة على قلة الهواء الذي يتخلل الأحياء والشوارع وقالت أن الفراغ آخذ بالقلة مع الزمن وأن قلة الساحات العامة والحدائق هو الذي يكثر من الأمراض ولاسيما السلُّ وأنه ثبت أن الأحياء القليلة الساحات والفسحات كانت أكثر تعرضاً لهذا الداءِ الوبيل. « إنّه لا صبر لهم على الضرّ وإنّ المنافسة على خيرات الدنيا في الطبع والجبلّة لو كانوا أغنياء فكيف بهم مع اختلالهم وأنّهم لا يرضون أن يقبض نظراؤهم بالأهواز على الإدرار ويحرموا هم وأن يتجرّعوا الأسف والحسرات وأنّهم قد سئموا الفقر ومعاناة المجاعة.
« إنّ رجالك مع سوء أثرهم وقبح بلائهم وهزيمتهم دفعة إذا أعطوا اليسير قنعوا به وصبروا عليه. وصرف بدر الخرشنى عن الشرطة لانحراف الحجريّة عنه وولّى أعمال المعاون بإصبهان وفارس لأنّ الحجريّة كرهوا مقامه بالحضرة فخلع عليه وأخرج مضاربه إلى ميدان الإشنان وأنفذ إليه اللواء وضمّ إليه الحسن بن هارون لتدبير أمر الخراج بهذه النواحي ثم توقّف عن إمضاء هذا الرأي فبطل خروجه. » فقبل ياقوت ذلك وسبّب له بهذا المال على عسكر مكرم وتستر فأرضى ببعضه الحجريّة وببعضه وجوه القوّاد وأنفق في سودانه في المسجد الجامع بعسكر مكرم ثلاثة دراهم لكلّ رجل ومضى الأمر على ذلك شهورا. » فما استقرّ بعسكر مكرم ثلاث ساعات من النهار حتى ورد كتاب ياقوت على درك - وكان والى الشرطة بعسكر مكرم - يعرّفه أنّ مونسا غلامه خرج بغير إذنه وشرح له صور مطابخ المنيومته وسأله أن يجتمع معه ويخوّفه الله عز وجل ويحذّره كفر نعمته ويستوقفه إلى أن يلحق به. وعسكر مكرم فهي على ثمانية فراسخ وإذا نأت الدار زال الاستيحاش وسبّب له على عامل تستر بخمسين ألف دينار فخرج إليها. لمّا قلّد أبو جعفر الكرخي الوزارة وخلع عليه وانصرف إلى منزله ومعه الجيش كلّف مناظرة عليّ بن عيسى وأخيه عبد الرحمن وحملا إلى داره فصادر عليّ بن عيسى على مائة ألف دينار وصادر أخاه على سبعين ألف دينار وأقاما على حال صيانة وتكرمة إلى أن أدّى عليّ بن عيسى سبعين ألف دينار وأدّى أخوه ثلاثين ألف دينار ثم صرفا إلى منازلهما.