وفيها: فلج القاضي عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب، فقلد مكانه على الجانب الشرقي والكرخ ابنه محمد. ابن إسماعيل بن حماد بن زيد، والد القاضي أبي عمر، وهو الذي قتل الحلاج، كان يوسف هذا من أكابر العلماء وأعيانهم، ولد سنة ثمان ومائتين، وسمع سليمان بن حرب وعمرو بن مرزوق وهدبة ومسددا، وكان ثقة، ولي قضاء البصرة وواسط والجانب الشرقي من بغداد، وكان عفيفا شديد الحرمة نزها، جاءه يوما بعض خدم الخليفة المعتضد، فترفع في المجلس على خصمه، فأمره حاجب القاضي أن يساوي خصمه، فامتنع إدلالا بجاهه عند الخليفة، فزبره القاضي وقال: ائتوني بدلال النخس حتى أبيع هذا العبد وأبعث بثمنه إلى الخليفة، وجاء حاجب القاضي فأخذه بيده وأجلسه مع خصمه، فلما انقضت الحكومة رجع الخادم إلى المعتضد فبكى بين يديه فقال له: مالك؟ قال الصولي: نظر ابن المعتز في حياة أبيه الخليفة إلى جارية فأعجبته، فمرض من حبها، فدخل أبوه عليه عائدا فقال له: كيف تجدك؟ وحكى هو عن نفسه أنه لم يزل يتعشق منذ كان في الكتَّاب، وأنه صنف كتاب (الزهرة) في ذلك من صغره، ورد ما وقف أبوه داود على بعض ذلك، وكان يتناظر هو وأبو العباس بن شريح كثيرا بحضرة القاضي أبي عمر محمد بن يوسف، فيعجب الناس من مناظرتهما وحسنها.
نظر إليه ابن خزيمة يوما فقال: حياة أبي حامد تحول بين الناس وبين الكذب على رسول الله ﷺ. فقال: من نطق عن سرك وأنت ساكت. وكان من جملة هدية مصر تيس له ضرع يحلب لبنا. كان من أكابر أمراء الدولة العباسية، أوصى في مرضه أن ليس له عند غلامه القاسم شيء، فلما مات حمل غلامه القاسم إلى الوزير ألف دينار وسبعمائة وعشرين منطقة من الذهب مكللة، فاستمروا به على إمرته ومنزلته. ابن إبراهيم بن عبيد الله بن زياد بن مهران، أبو القاسم الشاعر المعروف سعر باب المنيوم للحمامن الثلاج، لأن جده أهدى لبعض الخلفاء ثلجا، فوقع منه موقعا، فعرف عند الخليفة بالثلاج، وقد سمع أبو القاسم هذا من البغوي وابن صاعد وأبي داود، وحدث عن التنوخي والأزهري والعقيقي وغيرهم من الحفاظ. أحمد بن علي أبو بكر الرازي الفقيه الحنفي الرازي أحد أئمة أصحاب أبي حنيفة، وله من المصنفات المفيدة كتاب (أحكام القرآن)، وهو تلميذ أبي الحسن الكرخي، وكان عابدا زاهدا ورعا، انتهت إليه رياسة الحنفية في وقته ورحل إليه الطلبة من الآفاق، وقد سمع الحديث من أبي العباس الأصم، وأبي القاسم الطبراني، وقد أراده الطائع على أن يوليه القضاء فلم يقبل، توفي في ذي الحجة من هذا العام، وصلى عليه أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي.
وقد ورد حلب في مائتي ألف مقاتل بغتة في سنة إحدى وخمسين، وجال فيها جولة، ففر من بين يديه صاحبها سيف الدولة ففتحها اللعين عنوة، وقتل من أهلها الرجال والنساء ما لا يعلمه إلا الله، وخرب دار سيف الدولة التي كانت ظاهر حلب، وأخذ أموالها وحواصلها وعددها وبدد شملها، وفرق عددها، واستفحل أمر الملعون بها فإنا لله وإنا إليه راجعون. تولى القضاء بمصر مدة طويلة جدا، وكان ثقة عالما من خيار القضاة وأعدلهم، تفقه على مذهب أبي ثور، وقد ذكرناه في طبقات الشافعية، وقد استعفى عن القضاء فعزل عنه في سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، ورجع إلى بغداد فأقام بها إلى أن مات في هذه السنة، في صفر منها، وصلى عليه أبو سعيد الأصطخري، ودفن بداره. وقد أسند إليه حكايات من المسخرة والاستهتار والكفر والكبائر، منها ما هو صحيح عنه، ومنها ماهو مفتعل عليه ممن هو مثله وعلى طريقه ومسلكه في الكفر والتستر في المسخرة، يخرجونها في قوالب مسخرة وقلوبهم مشحونة بالكفر والزندقة، وهذا كثير موجود فيمن يدّعي الإسلام وهو منافق، يتمسخرون بالرسول ودينه وكتابه. وحج بالناس فيها الفضل ابن عبد الملك الهاشمي، ورجع كثير من الناس من قلة الماء بالطريق. ابن موسى بن عبد الله أبو بكر الأنصارى الخطمي، مولده سنة عشر ومائتين، سمع أباه وأحمد ابن حنبل وعلي بن الجعد وغيرهم، وحدث عنه الناس وهو شاب وقرؤوا عليه القرآن، وكان ينتحل مذهب الشافعي، وولي قضاء الأهواز، وكان ثقة فاضلا عفيفا فصيحا كثير الحديث.
وأحضر ابن المعتز وابن الجصاص فصادر ابن الجصاص بمال جزيل جدا، نحو ستة عشر ألف ألف درهم ثم أطلقه، واعتقل ابن المعتز، فلما دخل في ربيع الآخر ليلتان ظهر للناس موته وأخرجت جثته فسلمت إلى أهله فدفن، وصفح المقتدر عن بقية من سعى في هذه الفتنة حتى لا تفسد نيات الناس. قال ابن الجوزي: وفيها ظهرت ثلاث كواكب مذنبة، أحدها في رمضان، واثنان في ذي القعدة تبقى أياما ثم تضمحل. قال ابن خلكان: كم سعر باب الالمنيوم أخذ الفقه عن أبي ثور، ويقال: كان يتفقه على مذهب سفيان الثوري، وكان ابن سريح يصحبه ويلازمه، وربما استفاد منه أشياء في الفقه لم تخطر له ببال، ويقال: إنه سأله مرة عن مسألة. أبو يعقوب العبادي - نسبة إلى قبائل الجزيرة - الطبيب ابن الطبيب، له ولأبيه مصنفات كثيرة في هذا الفن، وكان أبوه يعرب كلام إرسططاليس وغيره من حكماء اليونان، توفي في هذه السنة. أبو بكر الفقيه ابن الفقيه الظاهري، كان عالما بارعا أديبا شاعرا فقيها ماهرا، له كتاب (الزهرة) اشتغل على أبيه وتبعه في مذهبه ومسلكه وما اختاره من الطرائق وارتضاه، وكان أبوه يحبه ويقربه ويدنيه. أحباب: جمع حبيب. وهو بلد في جنب السوارقية من نواحي المدينة ثم من ديار بني سليم له ذكر في الشعر.