هو الحكم على كليٍّ بوجوده في أكثر جزئياته، وإنما قال: في أكثر جزئياته، لأن الحكم لو كان في جميع جزئياته لم يكن، استقراءً، بل قياساً مقسماً، ويسمى هذا: استقراء، لأن مقدماته لا تحصل إلا بتتبع الجزئيات، كقولنا: كل حيوان بحرف ز يحرك فكه الأسفل عند المضغ، لأن الإنسان والبهائم والسباع كذلك، وهو استقراء ناقص لا يفيد اليقين لجواز وجود جزئي لم يتستقرأ، ويكون حكمه مخالفاً لما استقرئ كالتمساح، فإنه يحرك فكه الأعلى عند المضغ. وقيل : هو في موضع رفع على أن يكون الموعود به محذوفا ؛ على تقدير لهم مغفرة وأجر عظيم فيما وعدهم به. والثاني من كلمتين. أما ما هو من كلمة واحدة فإنه لم يدغم إلا القاف في الكاف إذا تحرك ما قبل القاف وكان بعد الكاف ميم جمع نحو (خلقكم، رزقكم، صدقكم واثقكم، سبقكم) ولا ماضي غيرهن، ونحو (يخلقكم، يرزقكم، فنغرقكم) ولا مضارع غيرهن "وجملة" ذلك ثمانية وما تكرر منه سبعة وثلاثون حرفا فإن سكن ما قبل القاف أو لم يأتِ بعد الكاف ميم جمع نحو (ميثاقكم، ما خلقكم، بورقكم، صديقكم، خلقك، نرزقك) لم يختلف في إظهاره واختلف فيما إذا كان بعدها نون جمع وهو في موضع واحدة (طلقكن) في سورة التحريم. قال القاضي أبو العلاء قال ابن مجاهد إدغامهن قياس مذهب أبي عمرو لأن ما قبل الواو منهن ساكن كما هو في (خذ العفو وأمر) و (من اللهو ومن التجارة) قال وأقرأنا ابن حبش عنه بالإظهار ووقع في تجريد ابن الفحام أن شيخه عبد الباقي روى فيهن الإظهار وصوابه أن عبد الباقي يروي إدغامهن وأن شيخه الفارسي يروي إظهارهن فسبق القلم سهوا.
على أن الداني قال في جامع البيان: وبالوجهين قرأت ذلك واختار الإدغام لاطراده وجريه على قياس نظائره ثم قال: فإن سكن ما قبل الواو وسواء كان هاء أو غيرها فلا خوف في إدغام الواو في مثلها وذلك نحو (وهو وليهم) و (خذ العفو وأمر) قلت وإنما نبه على ما قبل الواو فيه ساكن وسوى فيه بين الهاء وغيرها من أجل ما رواه بعضهم من الإظهار في (فهو وليهم) في الأنعام. ورواه بالإدغام ابن فرح وابن أبي عمر النقاش والجلاء وأبو طاهر بن عمر من غير طريق الجوهري وابن شيطا ثلاثتهم عن ابن مجاهد وهي رواية ابن بشار عن الدوري والكارزيني عن أصحابه عن السوسي والخزاعي عن ابن حبش عن السوسي وسائر العراقيين عن أصحابهم ورواية الجماعة عن شجاع، قال الداني: وبالوجهين قرأته أنا واختار الإدغام لأنه قد اجتمع في الكلمة ثقلان: ثقل الجمع وثقل التأنيث. وقد حكى الداني عن ابن مجاهد أنه كان يختار ترك الإدغام في هذا الضرب ويقول أن شرط الإدغام أن تسقط له الحركة من الحرف الأول لا غير. حكى ذلك عنه سبط الخياط (قلت) والصواب ما عليه إجماع أهل الأداء من إدغام الباب كله من غير فرق والله أعلم. وكل من وجهتي الإظهار والإدغام مأخوذ به وبهما قرأت على أصحاب أبي حيان عن قراءتهم بذلك عليه فوجه الإظهار توالي الإعلال من وجهين: أحدهما أن أصل هذه الكلمة اللاي كما قرأ ابن عامر والكوفيون فحذفت الياء لتطرفها وانكسار ما قبلها كما قرأ نافع في غير رواية ورش.
وإنما أظهرت في قراءة الكوفيين وابن عامر من أجل أنها وقعت حرف مد فامتنع إدغامها لذلك. والدليل على ذلك أنه مع إدغامه حرف المائدة أظهر (ومن تاب معك) في هود والله أعلم. قال وعند ذلك يجب إدغامه لسكون الأول وقبله حرف مد فالتقاء الساكنين على حدهما انتهى. قال أَبو حاتم: إِذا قاربت الإِبلُ الأَلف فهي عُكامِس. فإن الذي ذكر في هو المضموم الهاء مفقود هنا وإن قيل بتوالي الاعلال فيلزم مثله في نحو: فهي يومئذٍ، وقد أجمعوا على جواز إدغامه فلا فرق. فقد رو محمد بن شجاع البلخي إدغامه نصا عن اليزيدي عن أبي عمرو في قوله: (إلهه هواه) ورواه العباس وروى أبو زيد أيضا عن أبي عمرو إدغام أنه هو التواب. ورده أيضا الداني بإدغامه زحزح عن النار (قلت) والعلة الجيدة فيه مع صحة النقل ووجود المجاور ومما يدل على اعتباره أن جعفر بن محمد الآدمي روى عن ابن سعدان عن اليزيدي عن أبي عمرو أنه أدغم (فمن تاب من بعد ظلمه) في المائدة. والباء في ذلك مفتوحة وما ذاك إلا من أجل مجاورة (بعد ظلمه) المدغمة في مذهبه والله أعلم. إذ لا يصح نص عن أبي عمرو وأصحابه بخلافه وما روى عن ابن جبير وابن سعدان عن اليزيدي من خلاف ذلك فلا يصح والله أعلم.
في سورة الطلاق. ونص له على إظهاره وجها واحدا على مذهبه في إبدالها ياء ساكنة وتبعه على ذلك أبي القاسم الشاطبي والصفراوي وأصحابهم وقياس ذلك إظهارها للبزي أيضا وتعقب ذلك عليهم أبو جعفر بن الباذش ومن تبعه من الأندلسيين ولك يجعلوه من هذا الباب بل جعلوه من الإدغام الصغير وأوجبوا إدغامه في مذهب من سكَّن الياء مبدلة وصوبه أبو شامة فقال: الصواب أن يقال لا مدخل لهذه الكلمة في هذا الباب بنفي أو إثبات، فإن الياء ساكنة وباب الإدغام الكبير مختص بإدغام المتحرك، وإنما موضع ذكر هذه قوله: وما أول المئلين فيه مسكن. الثاني أن أصل هذه الياء الهمزة فإبدالها وتسكينها عارض ولم يعتد بالعارض فيها فعوملت الهمزة وهي مبدلة معاملتها وهي محققة ظاهرة لأنها في النية، والمارد والتقدير إذا كان كذلك لم تدغم (ووجه) الإدغام ظاهر من وجهين (أحدهما) أن سبب الإدغام قوي باجتماع المثلين وسبق أحدهما بالسكون فحسن الاعتداد بالعارض لذلك، وذلك أصل مطرد عندهم غير منخرم، ألا ترى إلى إدغام (رؤياي) في مذهب أبي جعفر وغيره وكيف عوملت الهمزة المبدلة واوا معاملة الأصلية وفعل بها كما فعل في (مقضيا) و (وليا) فأبدلت ياء من أجل الياء بعدها وأدغمت فيها (الثاني) إن اللاي بياء ساكنة من غير همزة لغة ثابتة في اللائي قال أبو عمرو بن العلاء هي لغة قريش فعلى هذا يجب الإدغام على حده بلا نظر ويكون من الإدغام الصغير.